قال الشيخ الزرقاني «
زاد في رواية : فلا تنكره علينا ،
لأنه يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بقصد الستر عن أعين الناس ،
بل يجب إن علمت أو ظنت الفتنة بها ، أو يُنظر لها بقصد لذة .
قال ابن المنذر : أجمعوا على
أن المرأة تلبس المخيط كله ، والخفاف ، وأن لها أَنْ تغطي رأسها ،
وتستر شعرها ، إلا وجهها ، فَتُسدل عليه الثوب سدلًا خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال ، ولا تُخَمِّر ، إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر ، فذكر ما هنا ،
ثم قال : ويحتمل
أن يكون ذلك التخمير سدلًا ،
كما جاء عن عائشة قالت :
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مُرَّ بنا سَدَلْنا
الثوب على وجوهنا ونحن محرمات ، فإذا جاوزْنا رفعناه » اهـ .
2 ـ وقال الشيخ الحطَّاب (مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ـ 1 / 499) :
« واعلم أنه إن خُشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين .
قاله القاضي عبد الوهاب ، ونقله عنه الشيخ أحمد زرّوق في شرح الرسالة ،
وهو ظاهر التوضيح . هذا ما يجب عليها »اهـ .
3 ـ وقال الشيخ الزرقاني في شرحه لمختصر خليل :
(( وعورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم غير الوجه والكفين من جميع جسدها ، حتى دلاليها وقصَّتها .
وأما الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما ،
فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر من شهادة أو طب ،
إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم ، كنظر لأمرد ،
كما للفاكهاني والقلشاني .
وفي المواق الكبير ما يفيده .
وقال ابن الفاكهاني :
مقتضى مذهبنا أن ذلك لا يحرم إلا بما يتضمنه ،
فإن غلبت السلامة ولم يكن للقبح مدخل فلا تحريم )) .
وهذا كله ـ كما ترى ـ في حكم نظر الرجل الأجنبي المسلم إليها .
أما حكم كشف وجهها فلم يتعرض الشارح له في هذا الموضع ،
وستجده في الفقرة الرابعة
المنقولة من حاشية الشيخ البناني عند كلامه على هذه العبارة نفسها ، فانتظره فإنه بيت القصيد .
(( ومذهب الشافعيّ أَمَسُّ بسدِّ الذرائع ، وأقرب للاحتياط ،
لا سيَّما في هذا الزمان الذي اتّسع فيه البلاء ، واتسع فيه الخرق على الراقع » .
اهـ باختصار يسير ( شرح الزرقاني على مختصر خليل ـ 1 / 176) .
4ـ وقد كتب العلامة البنَّاني في حاشيته على شرح الزرقاني
لمختصر خليل على كلام الزرقاني السابق (1 / 176 ،
ونحوه في حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1 / 289) . )
ما يلي »
قول الزرقاني :
إلا لخوف فتنة ، أو قصد لذة فيحرم ، أي النظر إليها ،
وهل يجب عليها حينئذٍ ستر وجهها ؟
وهو الذي لابن مرزوق في اغتنام الفرصة قائلًا :
إنه مشهور المذهب ، ونقل الحطاب أيضًا الوجوب عن
القاضي عبد الوهاب ، أو لا يجب عليها ذلك ،
وإنما على الرجل غض بصره ، وهو مقتضى نقل مَوَّاق عن عياض .
وفصَّل الشيخ زروق في شرح الوغليسية بين الجميلة فيجب عليها ،
وغيرها فيُستحب »اهـ .
5 ـ وقال ابن العربي :
« والمرأة كلها عورة ، بدنها ،
وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة ، أو لحاجة ،
كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عما يَعنُّ ويعرض عندها »
أحكام القرآن ( 3 / 1579) .
قال محمد فؤاد البرازي :
الراجح أن صوت المرأة ليس بعورة ،
أما إذا كان هناك خضوع في القول ، وترخيم في الصوت ،
فإنه محرم كما سبق تقريره .
6 ـ وقال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره ( 12 / 229) :
« قال ابن خُويز منداد ــ
وهو من كبار علماء المالكية ـ :
إن المرأة اذا كانت جميلة وخيف
من وجهها وكفيها الفتنة ،
فعليها ستر ذلك ؛ وإن كانت عجوزًا أو مقبحة جاز أن تكشف
وجهها وكفيها » اهـ .
7 ــ وقال الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري (جواهر الإكليل ـ 1 / 41 ) :
« عورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم جميع
جسدها غير الوجه
والكفين ظهرًا وبطنًا ، فالوجه والكفان ليسا عورة ،
فيجوز كشفهما للأجنبي ،
وله نظرهما إن لم تُخشَ الفتنة .
فإن خيفت الفتنة فقال ابن مرزوق : مشهور المذهب وجوب سترهما .
وقال عياض :
لا يجب سترهما ويجب غضُّ البصر عند الرؤية .
وأما الأجنبي الكافر فجميع جسدها حتى وجهها وكفيها عورة بالنسبة له » اهـ .
8 ـ وقال الشيخ الدردير (جواهر الإكليل ـ 1 / 41 ) :
« عورة الحرة مع رجل أجنبي منها ، أي ليس بِمَحْرَمٍ لَهَا ،
جميع البدن غير الوجه والكفين ؛ وأما هما فليسا بعورة وإن
وجب سترهما لخوف فتنة» اهـ .
ـ وقد أوجب فقهاء المالكية على المرأة المُـحْرِمة
بحج أو عمرة ستر وجهها عند وجود الرجال الأجانب .
9ـ قال الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري
( جواهر الإكليل ـ 1 / 41) في أبواب الحج :
« حَرُمَ بسبب الإحرام بحج أو عمرة على المرأة لبس محيط بيدها كقُفَّاز ،
وستر وجهٍ بأي ساتر ، وكذا بعضه على أحد القولين الآتيين ،
إلا ما يتوقف عليه ستر رأسها ومقاصيصها الواجب ،
إلا لقصد ستر عن أعين الرجال فلا يحرم ولو التصق الساتر بوجهها ،
وحينئذٍ يجب عليها الستر إن علمت أو ظنت الافتتان بكشف وجهها ،
لصيرورته عورة .
فلا يقال :
كيف تترك الواجب وهو كشف وجهها وتفعل المحَرّم
وهو ستره لأجل أمر لا يُطلب منها ،
إذ وجهها ليس عورة ؟
وقد علمتَ الجواب بأنه صار عورة بعلمِ أو ظنِّ الافتتان بكشفه »اهـ باختصار .
10ـ وقال الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي الأزهري )
الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني ـ 1 / 431)
في باب الحج والعمرة :
« واعلم أن إحرام المرأة حرة أو أَمَةً في وجهها وكفيها .
قال خليل :
وحَرُمَ بالإحرام على المرأة لبس قُفَّاز ، وستر وجه إلا لستر بلا غرز ولا ربط ،
فلا تلبس نحو القفاز ،
وأما الخاتم فيجوز لها لبسه كسائر أنواع الحلي ،
ولا تلبس نحو البرقع ، ولا اللثام إلا أن تكون ممن يخشى منها الفتنة ،
فيجب عليها الستر بأن تسدل شيئًا على وجهها من غير غرز ولا ربط » .
اهـ باختصار يسير .
11ـ وقال الشيخ الدردير (الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي ـ 2 / 54، 55) :
« حَرُمَ بالإحرام بحج أو عمرة على المرأة ولو أَمَة ،
أو صغيرة ، ستر وجه ، إلا لستر عن أعين الناس ، فلا يحرم ،
بل يجب إن ظنت الفتنة ... » اهـ .
12ـ وقال الشيخ عبد الباقي الزرقاني ( شرح الزرقاني على مختصر خليل ـ 2 / 290 ـ 291) في أبواب الحج :
« حَرُمَ بالإحرام على المرأة لبس قُفَّاز ، وستر وجه ،
إلا لستر عن الناس ، فلا يحرم عليها ستره ولو لاصقته له ،
بل يجب إن علمت أو ظنت أنه يخشى منها الفتنة ،
أو ينظر لها بقصد لذة ،
وحينئذٍ فلا يقال :
كيف تترك واجبًا وهو ترك الستر في الإحرام وتفعل محرمًا وهو الستر لأجل أمر لا يطلب منها ،
إذ وجهها ليس بعورة ؟
فالجواب :
أنه عورة يجب ستره فيما إذا علمت ،
إلى آخر ما مر » اهـ
وتمام العبارة :
« أنه عورة يجب ستره فيما إذا علمت أو ظنت أنه يخشى منها الفتنة ،
أو ينظر لها بقصد لذة » اهـ .
* ونستخلص من النصوص السابقة المأخوذة من المراجع
المعتمدة عند المالكية أنه :
ـ يُسَنُّ للمرأة أن تستر وجهها عند تحقق السلامة والأمن من الفتنة ،
وعند عدم النظر إليها بقصد اللذة .
ـ أما إذا علمت أو ظنت أنه يُخشى من كشف وجهها الفتنة ،
أو ينظر لها بقصد لذة ، فيصير عورة يجب عليها ـ
حينئذٍ ـ ستره ، حتى ولو كانت محرمة بحج أو عمرة .
هذا هو مشهور المذهب كما حكاه ابن مرزوق .
ولا شك أننا في زمن تحققت فيه الفتنة ،
وانتشرت في أطرافه الرذيلة ، وامتلأت الطرقات
بالمتسكعين الذين يتلذذون بالنظر إلى النساء ،
فلا يجوز ـ والحال على هذا ـ عند المالكية أنفسهم ،
ولا عند المذاهب الثلاثة الأخرى خروج المرأة كاشفة عن وجهها ،
بل يجب عليها ستره .
يتبع إن شاء الله