الموضوع: الشيخ الفاسد
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2010-12-21, 12:09 AM
بهاء الدين السماحي بهاء الدين السماحي غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-11-28
المشاركات: 94
بهاء الدين السماحي
افتراضي الشيخ الفاسد

بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق الله
أما بعد
فإن العلم النافع والعمل الصالح هما مفتاح الفلاح والنجاح، وأساس الفوز والتوفيق للعبد في دنياه وآخرته، ومن وفقه الله للعلم النافع ثم هداه للعمل به، فقد ظفر بالخير كله، وحظى بسعادة الدارين، قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم) وإن الإسلام أكد على الاهتمام بالعلم، وتحويله إلى سلوك حي يمشي به المتعلم مطبقا ما تعلمه من هدي ودلِّ وسمت، فالعلم وسيلة وغاية, والعمل الصالح غاية محضة.

ولقد رغب الإسلام في ذلك ووعد بالأجر الجزيل عليه، كما حذر وتوعد من لا يعمل بما تعلمه.
ومن ينظر للواقع الذي نعيشه يجد أن هناك فصاما خطيرا بين العمل والعلم، حيث يظهر ذلك على تصرفات بعض من
زعموا أنهم دعاة إلى الله، فمما يميت النفس كمدا أنك إن لحظت ورمقت كلامهم وأخلاقياتهم وردودهم، تجد دلالات
المخالفات الطافحة بالتناقض الفج بين العلم الذي تلقوه والسلوك الذي يصدر منهم..!!


فكيف يقتدي آحاد الناس بمن خالف عملُه علمَه..؟؟ إلا إذا كان التابع سيقتفي أثر المتبوع في مخالفاته وتناقضاته..!! وهذا لعمري من الخطورة بمكان شديد
أو أن ينفر التابع من متبوعه ويغير مذهبه الذي كان يسلكه، وهذا أخطر وأعظم ضررا.


ولا ريب أن الشيخ إذا ناقض عملُه علمَه فليس بقدوة، إذ لا يعقل أن يُوصي المتبوع تابعه بالتكاليف وينسى نفسه، والتائه لن يهدي ضائعا فكلاهما سواء.
هنا يتجسد ويتعاظم ذنب الزاعم أنه يدعو إلى الله، لأنه تصدى لتعليم المسلمين الذين يعتقدون أنه الأسوة الحسنة، والقدوة المثلى وهو في الحقيقة غاش لهم من دون دراية.
يقول الله تعالى:
(أَتأمرون الناس بِالْبِر وتَنسون أَنفسكم وأَنتم تتلون الْكتَاب أَفَلا تَعقلون)..!!
ويقول تعالى على لسان شعيب عليه الصلاة والسلام: (وما أرِيد أن أُخالفَكم إِلَى ما أَنهاكم عنه إِن أرِيد إِلا الإِصلاح ما استَطعت وما تَوفيقي إِلا بِاللَّه علَيه تَوكَلْت وإِلَيه أنِيب).
ويقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).

وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (كان خلقه القرآن).
لقد أكدت السنة النبوية مسألة إتْباع العلم بالعمل، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُجاءُ بِرجلٍ فَيُطرح فِي النارِ فَيطحنُ فيها كَطحنِ الْحمار بِرحاه فَيطيف بِه أَهل النار فَيقُولون أَي فلان أَلَست كنت تَأمرُ بِالْمعروف وتَنْهى عن الْمنكَرِ فيقول إِني كنت آمر بِالْمعروف ولا أَفعله وأَنهى عن الْمنكَر وأَفْعله).رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما
وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يعَلِّم الناس الْخيرَ وينسى نَفْسه كَمثَلِ السرِاجِ يضِيءُ لِلناسِ ويحرِقُ نَفسه) رواه الطبراني في الكبير قال المنذري، وإسناده حسن انظر صحيح الترغيب.
ويقول عبد الله بن المبارك وغيره من السلف: صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس، قيل من هم؟ قال: الملوك والعلماء.
ويقول سيد قطب رحمه الله: إن الكلمة لتنبعث ميتة ، وتصل هامدة ، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة ، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا أن يصدر هو ترجمة حية لما يقول ، ويطبق فعلا واقعياً لما ينطق به عندئذ يؤمن الناس، ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق، إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها.
والمطابقة بين القول والفعل، وبين العقيدة والسلوك، ليست أمراً هيناً، ولا طريقاً معبداً. إنها في حاجة إلى رياضة وجهد ومحاولة واستمداد العون من الله.
في ظلال القرآن بتصرف يسير
إن الإخلاص والعمل بالعلم لازمان للداعية، ومن المؤكد أن سبب إخفاق كثير من الدعاة هو فشلهم في تحويل علمهم إلى واقع ملموس يشهد لهم الناس به.

والشاعر يقول:
وغيرُ تقيٍ يأمر الناس بالتُقَى *** طبيبٌ يداوي الناس وهو عليل
وآخر يقول:
إذا أنت لم ينفعك علمك لم تجد *** لعلمك مخلوقاً من الناس يقبله
وإن زانك العلم الذي قد حملته *** وجدت له من يجتنيه ويحمله
وقال آخر:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً *** إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها
وقال آخر:
إذا العلم لم تعمل به كان حجة *** عليك ولم تعذر بما أنت حامل
فإن كنت قد أبصرت هذا فإنما *** يصدق قول المرء ما هو فاعل


إن للخطابة والكتابة شأناً كبيراً، وكلما كان الخطيب والكاتب مرموقاً ينظر إليه، تضاعفت المسؤولية في حقه؛ لأنه مُتبعٌ. ولما كان الخطيب بهذه المنزلة، وله هذا التأثير في مجتمعه، ورد في حقه وعيد خاص، إذا صار يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويركز في خطبته على أمراض المجتمع، ثم هو يخالف ما يقول، ويخفق في المواءمة بين قوله وفعله، وفي نفس الوقت يعلم تماما الأدلة الواضحة على عظم المسؤولية الملقاة عليه وعلى عاتق طالب العلم، فهي حجة عليه وفساد للعالَم من حوله، لأن فساد العالَم بفساد علمائه.


وعلى الجانب الآخر فإن الخطيب أو طالب العلم أو الكاتب الذي يعمل بعلمه لا يضل في حياته، ولا يشقى في آخرته وكيف يضل وقد تمسك بالوحي الذي جعله الله هداية لجميع الناس، وكيف يشقى وقد عمل بعلمه، فأعد رصيداً من العمل الصالح المؤسس على علم نافع؟ أعده لذلك اليوم العظيم قال تعالى
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)،
وكذلك من عمل بعلمه أورثه الله علم ما لم يعلم، وفتح بصيرته وأنار قلبه: قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)
وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه
__________________
أحبكم في الله
وأدعو لكل أحبابي في الله بالتوفيق
رد مع اقتباس