عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2019-01-13, 01:59 PM
الصورة الرمزية Nabil
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 1,858
Nabil Nabil Nabil Nabil Nabil Nabil Nabil Nabil Nabil Nabil Nabil
افتراضي سرية ابن أبي حدرد الأسلمي / 3 رجال يغزون جيشا من المشركين

سرية ابن أبي حدرد الأسلمي / ثلاثة رجال يغزون جيشاً من المشركين

محمود ثروت أبو الفضل



في أغلب معارك المسلمين كان عدَدُ المشركين يفوق أعدادَ المسلمين بأضعاف مضاعَفة، ومع ذلك كان المسلمون ينتصرون انتصارات ساحِقة أو في أسوأ الأحوال يَبلون بلاءً حسنًا، فالقوَّة المادِّية والعدديَّة بأي حالٍ لم تكن عائقًا أمام الفتوحات الإسلاميَّة، ولعلَّ قول عبدالله بن رواحة في "غزوة مؤتة" للمسلمين وقد هالهم أعدادُ الروم الكبيرة هو أبلغ دليلٍ على هذه الفلسفة الإيمانيَّة لعقيدة المسلمين القتالية؛ حيث صاح بهم:
"يا قوم، والله إنَّ التي تكرهون لَلَّتي خرجتُم تطلبون؛ الشهادة، وما نقاتِل الناسَ بعددٍ ولا قوة وكَثْرة، ما نقاتلهم إلاَّ بهذا الدِّين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنَّما هي إحدى الحسنيين؛ إمَّا ظهور، وإمَّا شهادة".

وفي تاريخ السِّيرة النبويَّة سريَّة لم تَنَل حظَّها من الشُّهرة رغم أنَّها بالميزان المادِّي تُعدُّ مِن أعجب السرايا التي أرسلها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقد كانت هذه السَّريَّة تتكون من ثلاثة رجالٍ من المسلمين، قاموا بالإغارة على إحدى القبائل من المشركين الذين فرُّوا أمامَهم ولم يلوُوا على شيء، مما يعضد قولَ الصَّادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:
( أُعطيت خمسًا لم يُعطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرتُ بالرُّعب مسيرة شهر، وجُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيُّما رجلٍ من أُمَّتي أدركتْه الصَّلاةُ فليُصَلِّ، وأُحِلَّت لي الغنائم ولم تحلَّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيتُ الشفاعة، وكان النَّبيُّ يُبْعَثُ إلى قومه خاصَّة، وبُعِثتُ إلى النَّاس عامَّة ).

وتروي كتبُ السِّير والمغازي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أنَّ "رفاعة بن قيس" يجمع لحربِه "قيسًا" - قومَه - بالغابة، فأرسل إليه الصحابيَّ "ابن أبي حدرد الأسلمي" في شعبان من سنة 7 هجرية ليكفَّ أذاه وليأتيه بخبره، وهل هذا الخبر صادِق أم كاذب، وأوصاه إن وجد غرَّة أن يقتله.

وكان ابن أبي حدرد قد تزوَّج قبل هذه الغزوة بوقتٍ قصير، وجعل صداقه مائتَي درهم، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستعينه على دفع هذا الصداق، فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
( وكم أصدقتَ
قال: مائتي درهم، فقال صلى الله عليه وسلم:
( سبحان الله لو كنتم تأخذون الدَّراهم من بطن وادٍ ما زدتم، والله ما عندي ما أعينك به ).

وكأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في قوله هذا قد هالَه غلاءُ مهر زوجه، ويُستفاد من هذا الحديث ترغيب النساء في تقليلِ مهورهنَّ، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:
( إنَّ أعظم النِّكاح بَركة، أيسَره مؤنة )؛ رواه البيهقي في شعب الإيمان.

ثمَّ جاء خبر رِفاعة بن قيس وتجميعه جيشًا لمحاربة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنَ أبي حدرد ورجلين من المسلمين فقال:
( اخرُجوا إلى هذا الرَّجل؛ حتى تأتونا به، أو تأتونا مِنه بخبرٍ وعلم ).

قال ابن أبي حدرد في حديث الغزوة: "وقدَّم لنا شارفًا عَجْفاء، فحُمل عليها أحدنا، فوالله ما قامَت به ضعفًا، حتى دعَمَها الرجالُ من خلفِها بأيديهم حتى استقلَّت، وما كادت"، ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم:
( تَبَلَّغوا على هذه، واعتَقِبوها
أي: كان ركوبهم على دابَّة كبيرة ضعيفة هزِيلة لا تستطيع حَمْل أحدٍ من شدَّة ما بها من هزال، فتناوبوا الركوبَ عليها طيلة طريقهم إلى القوم، قال ابن أبي حدرد: فخرجنا ومعنا سلاحُنا من النَّبل والسيوف.

ووصل ابن أبي حدرد وصاحباه إلى "الغابة" مع غروب الشمس، فكمن ابن أبي حدرد في ناحيةٍ وقال للرجلين اللذين معه: "إذا سمعتماني قد كبَّرتُ، وشددتُ على العسكر، فكبِّرا وشدَّا معي؛ فوالله إنَّا لننتظر غرَّة القوم وأن نصيبَ منهم شيئًا".
واستمرَّ ابن أبي حدرد في كمونه حتى العشاء، وكان جيش "رفاعة" قد أَرسل أحد رعاتهم لحاجة، فلما أبطأ عليهم تخوَّفوا عليه أن يكون قد أصابه مكروهٌ، فقام رفاعة بن قيس، فجعل سيفَه في عنقه، ثمَّ قال: لأتبعن أثر راعينا هذا، لقد أصابه شرٌّ.
فقال له نفر ممَّن معه: نحن نكفِيك، قال: والله لا يذهب إلاَّ أنا، قالوا: فنحن معك، قال: والله لا يتبعني أحد منكم.
فخرج "رفاعة" حتى مر بابن أبي حدرد، فرماه ابن أبي حدرد بسهمه فقتله دون أي صوتٍ صدر منه، ثمَّ قام فقطع رأسَه ثمَّ ذهب في ناحية العسكر وهو يحمل رأس زعيمهم "رفاعة"، وكبَّر ابن أبي حدرد فجاء صاحباه يجريانِ وهما يُكبِّران، فما كان إلاَّ أن تملَّك الرُّعبُ جيشَ رفاعة من المشركين، وأسرعوا في الهروب بكلِّ ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم، وما خفَّ من أموالهم.
واستاق ابن أبي حدرد وصاحباه إبلاً عظيمة، وغنمًا كثيرة، تركها العسكرُ في هربهم، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشِّره بهزيمة القوم، وجاء برأس رفاعة بن قيس يحمله معه.
ونتيجة لنجاح هذه السريَّة بهذا الشكل غير المتوقَّع، أعان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ أبي حدرد من تِلك الإبل بثلاثة عشر بعيرًا، باعها ودفع صداقَ زواجه مِنها، واستعان بها على قضاء ديونه.

وقد ذكر حديث هذه الغزاة في: مجمع الزوائد؛ للهيثمي (6/ 206، 207)، ومسند الإمام أحمد (6/ 11)، والبداية والنهاية؛ لابن كثير (4/ 223)، ودلائل النبوة؛ للبيهقي (4/ 303).

وأعتقد أنَّه لم يُعرف في تاريخ المعارك أنَّ ثلاثة رجال غلبوا عسكرًا إلاَّ هذه الغزاة.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/88240/#ixzz5cU0ofX6D
رد مع اقتباس