مقالة في الطريق الى التذوق
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
كتب احد الاخوة _ جزاه الله خيرا _ مقالا حاول فيه الكشف عن منهج التذوق الذي جاء به الاستاذ الامام محمود شاكر _ رحمه الله _ و بين في ما كتب ان مقصود الشيخ بمنهج التذوق هو تحليل النص و تفكيك اجزائه و العيش مع الفاظه و معانيه ، و هذا ما عبر ما عبر عن الامام بقوله : " بدات باعادة قراءة الشعر العربي ، او ما وقع تحت يدي منه على الاصح ، قراءة متأنية طويلة الاناة عند كل لفظ و معنى ، كاني اقلبها بعقلي و اروزهما ( اي : ازنهما مختبرا ) بقلبي ، و اجسهما جسا ببصري و بصيرتي ، و كاني اريد ان اتحسسهما بيدي ، و استنشي ( اي : اشم ) ما يفوح منهما بانفي ، و اسمع دبيب الحياة الخفي فيهما باذني ، ثم اثذوقهما تذوقا بعقلي و قلبي و بصيرتي و اناملي و انفي و سمعي و لساني "1
وبين الاستاذ ان ما يجري على ألسنة الكتاب من قولهم " يتذوق الشعر " و " يتذوق الفن " ليس من مقصوده في شيء .
و انا الان احاول عن اكشف لك ماهية هذا المنهج الذي يقصده الشيخ ، و الذي لم يبتدعه ابتداعا بلا سابقة و لا تمهيد ، و انما كان معمولا به عند اسلافنا ، و الشيخ انما اراد التاصيل لهذا المنهج و التقعيد له .
هذا المنهج كان يستخدمه السلف في جميع العلوم و الفنون المرتبطة بالاسلام و العربية ، و لكن لم يقعدوا له و انما كان عندهم سليقة ، لان تقعيد العلوم و تدوينها و كشف مناهجها لا يتم الا بعد ان تستوي هذه العلوم على سوقها ، و هذا ما سعى اليه الاستاذ _ رحمه الله _ .
ان جميع العلوم الاسلامية ، كانت مرتبطة _ كما اسلفت _ بهذا المنهج ، و لكنه كان من الامور الخفية ، لانه و كما اسلفت كان يعمل به سليقة ، لكن هناك علم و هو من اهم العلوم الاسلامية العربية ، كان يستخدم هذا المنهج بشكل واضح ، و ان لم يقعد له ، و هذا العلم هو (( علم مصطلح الحديث )) ، فكان المنهج الذي يسميه الشيخ ب ( التذوق ) هو المنهج الذي يتم من خلاله التوصل الى علل الحديث ، و لذلك نجد ان علماء الحديث يشيرون الى علل في المتن ، و انه ليس من كلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ ، و ذلك من اول لحظة يسمع فيها الحديث ، و عند دراسته يتبين ان الحديث فعلا ضعيف او موضوع .
فالجهابدة من المحدثين كانوا يستطيعون كشف العلل و نفي ما ينسب الى رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ انطلاقا من طول معاشرتهم لكلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ و كثرة تعاملهم معه ، فنمت لديهم ملكةيستطيعون من خلالها ان يحكموا على المتن الذي يسمعونه ، و انه دون كلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ ، و انه منحط عنه في اللفظ و المعنى .
و هذا هو نفسه الذي يعبر عنه ما نقله لنا الاستاذ محمود شاكر من كلام عبد القاهر الجورجاني : " و ان الشاعر يسبق في كثير منها الى عبارة يعلم ضرورة انها لا يجيئ في ذلك الا ما هو دونها و منحط عنها "
و رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ افصح ولد ادم ، فاذا كلام معين يمكن ان يؤمتي بمثله او ابلغ و اجود منه في اللفظ و المعنى فاعلم انه ليس من كلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ في شيء .
و ان كنت ، و لابد ، معارضا كلامي ، فانظر _ رحمك الله _ قول الاستاذ : " ففي كل كلام و في ألفاظه ، ولابد ، اثر ظاهر او وسم خفي من نفس قائله ، و ما تنطوي عليه من دفين العواطف و النوازع و الاهواء ........ " 2و هذا مكمل لما قلته لك سابقا ، فالمحدثون يبحثون في المتن بما اوتوا من ملكة التذوق ، و التي اكتسبوها من طول معاشرتهم لكلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ و من كثرة تعاملهم معه و مما علموا من بلاغته _ صل الله عليه و سلم _ و انه لا يمكن ان يؤتى بمثل الفاظه و معانيه ، عن اثر ظاهر او وسم خفي ، ينسبون من خلاله الكلام اليه او ينفونه عنه .
______________________
(1)الرسالة ص : 6
(2) الرسالة ص :15
كتبه عمر أيوب غفر الله له و لوالديه ، يوم السبت29 صفر 1439 ( 18/11/2017)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
آخر تعديل بواسطة عمر ايوب ، 2017-11-20 الساعة 09:45 PM
|