منتدى السنة للحوار العربى
 
جديد المواضيع

 Online quran classes for kids 



العودة   منتدى السنة للحوار العربى > حوارات عامة > موضوعات عامة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2010-02-27, 02:11 PM
الصورة الرمزية طالب عفو ربي
طالب عفو ربي طالب عفو ربي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-28
المشاركات: 854
طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي طالب عفو ربي
افتراضي الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا (الملك 2)

الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا (الملك 2)

هــذه الآية الكريمة جاءت في بدايات سورة الملك‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها ثلاثون‏(30)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالشهادة لله تعالي بأنه هو الذي بيده الملك‏,‏ وهو علي كل شيء قدير‏,‏ ومن أسماء هذه السورة المباركة أيضا‏:(‏ المانعة‏)‏ و‏(‏المنجية‏)‏ لأنها تمنع قارئها من عذاب القبر‏,‏ وتنجيه منه‏,‏ وذلك لقول رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عنها‏:‏ هي المانعة‏,‏ وهي المنجية‏,‏ تنجي من عذاب القبر‏(‏ أخرجه الإمام الترمذي‏).‏

ويدور المحور الرئيسي لسورة الملك حول قضية العقيدة الإسلامية القائمة علي التوحيد الخالص لله تعالي ـ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد ـ وتبدأ بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير‏*‏ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور‏*(‏ الملك‏:1‏ ـ‏2).‏

وفي هذا الاستهلال من التعظيم للخالق سبحانه وتعالي ماهو جدير به‏,‏ لأن من معاني‏(‏ تبارك‏):‏ تعالي ربنا وتعاظم وكثر خيره‏,‏ ودام إحسانه وفضله‏,‏ وثبت إنعامه وكرمه علي جميع عباده وسائر خلقه ثبوتا لا يزول ولا يحول أبدا‏.‏ ومن معاني هذا التعظيم لله الخالق‏,‏ الواحد الأحد‏,‏ الفرد الصمد‏,‏ الذي‏..‏ لم يلد‏,‏ ولم يولد‏*‏ ولم يكن له كفوا أحد تنزيهه ـ جل وعلا ـ عن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏

وفي هذا الاستهلال المبارك أيضا تأكيد علي تفرد الخالق سبحانه وتعالي بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ لأن من معاني‏(‏ الملك‏):‏ السلطان‏,‏ والقدرة‏,‏ ونفاذ الأمر‏.‏
وانطلاقا من تقريره أنه تعالي خلق الموت والحياة ليبلو الناس أيهم أحسن عملا كانت الشهادة له ـ جل جلاله ـ بأنه هو‏(‏ العزيز الغفور‏),‏ أي الغالب الذي لا يقهر‏,‏ والذي لا يعجزه شيء‏,‏ ومع ذلك فهو العفو عن تقصير عباده‏,‏ الغفور لذنوبهم‏.‏ ومن دواعي تفرده‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بكل ذلك ألا يعبد غيره‏,‏ ولا يقصد سواه بدعاء أو رجاء أو طلب‏,‏ ولا يشرك في عبادته أحد‏,‏ وأن ينزه فوق كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏

وكذلك يشهد لله الخالق بالربوبية والألوهية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه أنه تعالي هو الذي خلق سبع سماوات طباقا‏(‏ أي متطابقة حول مركز واحد هو كوكبنا الأرض‏,‏ دون أدني خلل‏,‏ أو نقصان‏,‏ أو اضطراب‏,‏ ولولا هذا البيان الإلهي الذي تكرر في القرآن الكريم عشرات المرات‏,‏ ماكان أمام الإنسان من سبيل لإدراك هذه الحقيقة الكونية‏,‏ وذلك لأن كل مايراه علماء الفلك في زمن العلم والتقنية الذي نعيشه لا يتعدي جزءا يسيرا من السماء الدنيا‏,‏ وبما أن الكون دائم الاتساع فإن هذا الجزء المرئي من السماء الدنيا دائم التباعد عنا بسرعات لا يستطيع التطور العلمي والتقني المعاصر اللحاق به‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فإن الانسان يستطيع بحسه المحدود‏,‏ وقدراته المحدودة‏,‏ أن يدرك شيئا من دقة بناء السماء‏,‏ وتكورها علي ذاتها‏,‏ وإحكام خلق كل صغيرة وكبيرة فيها دون أدني خلل‏,‏ ولذلك تطالب الآيات كل ذي بصيرة بتكرار النظر في السماء حتي يتحقق من بديع صنع الله فيها‏,‏ مؤكدة انه مهما نظر فلن يستطيع العثور علي خلل واحد‏.‏
وتستشهد سورة الملك بعدد آخر من آيات الله في الكون علي صدق ماجاء بها من أمور الغيب‏,‏ ومن ركائز العقيدة الاسلامية منها النجوم التي جعلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ زينة للسماء الدنيا وسماها بالمصابيح‏,‏ وهي تسمية في غاية الدقة العلمية‏,‏ لأن النجوم هي أفران نووية كونية عملاقة وقودها نوي ذرات الإيدروجين التي تتضاغط في قلب النجم فتتحد مع بعضها البعض منتجة نوي ذرات الهيليوم‏,‏ ثم الليثيوم‏,‏ لتكون نوي ذرات أثقل باستمرار‏,‏ مطلقة كميات هائلة من الطاقة التي يقوم عليها نظام الكون‏,‏ وتستقيم الحياة علي الأرض‏,‏ ولما كانت النجوم في دورة حياتها ينتهي بها المطاف الي أجسام باردة كالكواكب التي تنفجر فينزل بعضها علي الأرض شهبا ونيازك قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير‏*.(‏ الملك‏5).‏
ثم انتقلت الآيات بعد ذلك الي وصف جانب من عذاب الكفار في يوم القيامة‏,‏ والي شيء من الحوار الذي سوف يدور بينهم وبين خزنة جهنم وفي ذلك تقول‏:‏ وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير‏*‏ إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور‏*‏ تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير‏*‏ قالوا بلي قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا مانزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير‏*‏ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ماكنا في أصحاب السعير‏*‏ فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير‏*(‏ الملك‏:6‏ ـ‏11)‏

وهنا قد يتبادر الي الذهن سؤال فحواه أن الآخرة لم تحن بعد‏,‏ وأن أهل الجنة لم يدخلوها بعد‏,‏ وكذلك أهل النار لم يساقوا اليها بعد‏,‏ فكيف أوردت الآيات هذا الوصف الدقيق لأفواج الكفار تلقي في نار جهنم‏,‏ ولحوار خزنة جهنم مع الكفار‏,‏ وردود الكفار عليهم؟ وللإجابة علي ذلك أقول إن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ ومن مخلوقاته كل من الزمان والمكان‏,‏ والخالق يملك مخلوقاته‏,‏ ويحدها‏,‏ ويحكمها بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ والمخلوق لا يحكم خالقه أبدا‏,‏ وعلي ذلك فإن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ يحوي بعلمه وحكمته وقدرته كل الأماكن وكل الأزمنة‏,‏ فلا يخرج عن علمه من ذلك شيء أبدا‏,‏ ولا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء فالماضي والحاضر والمستقبل في علم الله‏(‏ تعالي‏)‏ كله حاضر‏,‏ ومن هنا جاء وصف المستقبل في الآخرة كأنه أمر قائم‏,‏ حاضر‏,‏ ظاهر‏.‏

وبالمقابل تصف الآية الثانية عشرة من هذه السورة المباركة جانبا من فضل الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي الذين يخشونه بالغيب فيجتنبون معاصيه‏,‏ ويقبلون علي طاعاته فتقول‏.‏
إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير‏*(‏ الملك‏:12)‏

ثم تخاطب الآيات في سورة الملك الناس جميعا مؤكدة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم السر والجهر‏,‏ ويعلم ماتخفي كل نفس‏,‏ حتي تقيم من الانسان علي نفسه رقيبا حسيبا‏,‏ يراجعها في كل خطأ حتي تتوب‏,‏ ويشجعها علي كل خير فتستزيد‏,‏ ويعبد الله‏(‏ تعالي‏)‏ كأنه يراه‏,‏ ويحيي روح مراقبة الله له في قلبه حتي يستيقظ لهذه الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون‏:‏ إن الله تعالي عليم بذات الصدور‏,‏ وحتي يتجرد لله تعالي وحده في الأعمال والنيات‏,‏ ويتقي هواجس النفس‏,‏ ونفثات الشياطين لإيمانه بأن الله تعالي يسمعه ويراه‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏ وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور‏*‏ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير‏*(‏ الملك‏:13‏ ـ‏14)‏

وبعد ذلك تستمر الآيات في استعراض عدد من نعم الله علي عباده‏,‏ وفي التذكير بحتمية الموت والبعث والرجوع إلي الله تعالي فتقول‏:‏ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور‏*(‏ الملك‏:15)‏
أي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي خلق الأرض وجعلها مهيأة لحياة الانسان عليها في سهولة ويسر‏,‏ ولفظة‏(‏ ذلولا‏)‏ تعني سهلة‏,‏ مسخرة‏,‏ مذللة لكم يابني آدم‏,‏ من‏(‏ الذل‏)‏ وهو اللين وسهولة الانقياد‏,‏ و‏(‏ مناكب‏)‏ الأرض هي جوانبها‏,‏ وفجاجها وأطرافها‏,‏ وهو من قبيل الحض علي الاجتهاد في عمارة الأرض واقامة عدل الله فيها وهي من واجبات الاستخلاف‏,‏ والحث علي كسب الرزق الذي قدره الله‏(‏ تعالي‏)‏ لكل حي في الوجود فقال‏(‏ تعالي‏):‏ وكلوا من رزقه لأن السعي في طلب الرزق واجب علي كل مخلوق‏,‏ وهذا السعي لايتنافي أبدا مع حقيقة أن الرزق مقسوم سلفا‏,‏ ولايتنافي أبدا مع ضرورة التوكل علي الله وهو الرزاق ذو القوة المتين وختمت هذه الآية الكريمة بالإشارة إلي حقيقة البعث‏,‏ وحتمية الرجوع إلي الله‏.‏

وتعاود الآيات التهديد بعذاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ للكفار والمشركين والعاصين من عباده في الدنيا قبل الآخرة فتقول‏:‏
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور‏*‏ أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير‏*.(‏ الملك‏:16‏ ـ‏18).‏

وخسف الأرض من الظواهر المصاحبة لتصدع غلافها الصخري‏,‏ وغور أجزاء منه علي هيئة مايعرف بالأغوار أو الأودية الخسيفة‏,‏ وذلك من مثل حوض البحر الأحمر‏,‏ بخليجيه‏:‏ العقبة والسويس‏,‏ وغور وادي الأردن‏,‏ كما قد يصحب تكون الأغوار هزات أرضية‏(‏ زلزالية‏)‏ أو ثورات بركانية مرعبة‏,‏ وهذه وغيرها من الظواهر الطبيعية‏,‏ هي من جند الله التي يسخرها عقابا للعاصين‏,‏ وابتلاء للصالحين‏,‏ وعبرة للناجين‏,‏ واذا لم تؤخذ بهذا المفهوم فلن يتعلم الانسان أبدا‏.‏

و‏(‏المور‏)‏ الحركة جيئة وذهابا في اضطراب وتموج شديدين و‏(‏ المور‏)‏ و‏(‏ الخسف‏)‏ من أوصاف ما يتعرض له الغلاف الصخري للأرض في أثناء الهزات الأرضية التي تعتبر من أعنف الكوارث التي يبتلي بها الله‏(‏ تعالي‏)‏ عباده الصالحين‏,‏ أو يعاقب الكفار والمشركين والعاصين منهم كما عاقب قارون وقومه من قبل‏.‏

و‏(‏ الحاصب‏)‏ هي الريح الشديدة التي من عنف شدتها فإنها تثير الحصباء‏(‏ الحصي‏),‏ أو هي الحجارة المنزلة من السماء علي وجه من أوجه العقاب الإلهي للكفار والمشركين وللعصاة المذنبين‏,‏ وهو انذار شديد بعذاب من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لجماعة من أهل الأرض كما حدث لكل من أصحاب الفيل‏,‏ وقوم لوط‏,‏ وسوف يعلم المنذرون شيئا عن صدق وعيد الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهم حين يقع العذاب الذي أنذروا به عليهم‏,‏ ولذلك حذرت الآية الثامنة عشرة من سورة الملك كل الناس مما وقع للأمم السابقة من العذاب فتقول‏:‏ ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير‏*(‏ الملك‏:18).‏

والاشارة هنا إلي الأمم السابقة علي كفار ومشركي جزيرة العرب‏,‏ الذين كذبوا رسل ربهم إليهم‏,‏ وعصوا أوامره‏,‏ فأنكر الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ذلك عليهم‏,‏ وأنزل عقابه الشديد الأليم بهم وترك آثار خرابهم ودمارهم عبرة لكل معتبر‏.‏
ثم تنتقل سورة الملك إلي استعراض آية أخري من الآيات الدالة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق والتي تتلخص في اعطاء الطيور القدرة علي ارتقاء الهواء‏,‏ والسبح فيه بكفاءة عالية فتقول‏:‏

أو لم يروا إلي الطير فوقهم صافات ويقبضن مايمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير‏*.(‏ الملك‏:19)‏

وفي التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الناصر‏,‏ المعطي‏,‏ الوهاب‏,‏ الرزاق‏,‏ ذو القوة المتين‏,‏ تعتب الآيات علي المشركين الذين عبدوا مع الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ غيره من المخلوقات أو المخلوقين‏,‏ مبتغين منهم النصر أو راجين عندهم الرزق فتقول‏:‏ أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور‏*‏ أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور‏*‏ أفمن يمشي مكبا علي وجهه أهدي أمن يمشي سويا علي صراط مستقيم‏*(‏ الملك‏:20‏ ـ‏22)‏ وتشبه الآية الأخيرة المؤمن بالذي يمشي سويا علي صراط مستقيم أي علي طريق واضح المعالم‏,‏ تبين النهاية في كل من الدنيا والآخرة حتي ينتهي به إلي جنات النعيم‏,‏ بينما الكافر يمشي مكبا علي وجهه‏,‏ تائها ضالا حائرا لايدري أين يسلك‏,‏ ولاكيف يسير‏,‏ ولايعرف لطريقه نهاية حتي يكبه في نار الجحيم‏,‏ وتسأل الآية الكريمة كل مستمع لها أيهما أهدي سبيلا؟

وتأمر الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين ان يخبر الناس جميعا بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يمن عليهم بإنشائهم من العدم‏,‏ ومنحهم من الحواس والملكات مايعينهم علي الاستمتاع بوجودهم‏,‏ ومن قبيل الشكر علي هذه النعم استخدامها في طريق الخير إلي أقصي مدي لها‏,‏ وحمد الله‏(‏ تعالي‏)‏ والثناء عليه في كل مرة تستخدم فيها حاسة من تلك الحواس‏,‏ أو ملكة من تلك الملكات‏,‏ وبأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يمن عليهم كذلك بنشر الجنس البشري في مختلف أرجاء الأرض مما يتبعه اختلاف الألوان والألسنة والعادات‏,‏ ثم يجمعهم من هذا الشتات ليوم لا ريب فيه‏,‏ يتشكك فيه أهل الكفر والضلال‏,‏ ويتساءلون عن موعده‏,‏ وتأمر الآيات خاتم الأنبياء‏,‏ والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن يجيب بأن علم هذا اليوم عند الله ولايعلمه سواه‏,‏ وأنه‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ بعث ـ كما بعث غيره من أنبياء الله ورسله ـ للانذار بوقوع هذا اليوم علي بينة من رب العالمين‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏

قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون‏*‏ قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون‏*‏ ويقولون متي هذا الوعد إن كنتم صادقين‏*‏ قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين
‏(‏الملك‏:23‏ ـ‏26)‏

ثم تنتقل بنا الآية السابعة والعشرون عبر حجز الغيب‏,‏ وكأن الساعة قد قامت‏,‏ والكافرون يرون مايوعدون به من العذاب رأي العين‏,‏ فسيئت وجوههم وسمعوا من التقريع والتوبيخ مادهاهم‏,‏ وزاد فجيعتهم‏,‏ وفي ذلك تقول الآية الكريمة‏:‏ فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون‏*(‏ الملك‏:27)‏
و‏(‏ زلفة‏)‏ حال من مفعول رأوه‏,‏ وهو اسم مصدر لـ‏(‏ أزلف‏)‏ و‏(‏ إزلافا‏)‏ بمعني قرب قربا‏,‏ وقيل ان استعمال‏(‏ الزلفة‏)‏ في منزلة العذاب كاستعمال البشارة ونحوها من الألفاظ و‏(‏ سيئت‏)‏ بمعني عمها السوء من الغم والحزن‏,‏ و‏(‏ تدعون‏)‏ أي تطلبون في الدنيا وتستعجلون‏,‏ إنكارا واستهزاء‏,‏ من‏(‏ الدعاء‏)‏ بمعني الطلب‏.‏

وتختتم هذه السورة المباركة بخطاب موجه من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يأمره فيه بما يلي‏:‏
قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم‏*‏ قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ظلال مبين‏*‏ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين‏*.‏
‏(‏ الملك‏:28‏ ـ‏30)‏

وهذه الآيات الثلاث ترد علي كفار ومشركي قريش ـ وعلي كل كافر ومشرك إلي يوم القيامة ـ الذين كانوا يتمنون هلاك رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهلاك المسلمين الذين آمنوا به وبما أنزل إليه من ربه‏,‏ تماما كما يتمناه كفار ومشركو اليوم‏,‏ والآيات تقول لسيد الأنبياء والمرسلين‏:‏ قل لهؤلاء الكفار والمشركين بالله‏,‏ الجاجدين لنعمه‏,‏ الغامطين للحق الذي أنزله بعلمه‏:‏ إن ما تتمنون لنا من الهلاك لن ينقذكم من عذاب الله ونكاله الواقع بكم لا محالة في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ أما نحن فقد آمنا برب العالمين الرحمن الرحيم‏,‏ وتوكلنا عليه‏,‏ واعتصمنا بجنابه‏,‏ وسوف تعلمون لمن تكون عاقبة الأمور في الدنيا قبل الآخرة‏:‏ للمؤمنين بالله‏,‏ الموحدين لجلاله‏,‏ المنزهين لذاته العلية عن الشريك والشبيه والمنازع والصاحبة والولد أما الذين أشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا فغرقوا في وحل الضلال المبين‏!‏ وتهديدا لهؤلاء الضالين تذكرهم الآية في ختام هذه السورة المباركة بنعمة الماء علي العباد‏,‏ والذي بدونه لا تكون الحياة‏,‏ فتقول‏:‏ يا أيها المشركون الضالون التائهون عن الحق والضالعون في الشرك‏,‏ الغارقون في ظلام الجهل‏,‏ إذا قدر الله‏(‏ تعالي‏)‏ أن يغور الماء في آباركم حتي لا تستطيعوا الوصول إليه‏,‏ فمن غير الله القادر يمكنه أن يأتيكم بماء جار علي سطح الأرض؟‏!‏
وكان ماء مكة المكرمة في هذا الوقت مستمدا من كل من بئر زمزم وبئر ميمون بن الحضرمي‏.‏

من ركائز العقيدة في سورة الملك
‏(1)‏ الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا واحدا أحدا‏,‏ فردا صمدا‏,‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏.‏ وتنزيهه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ والإيمان بأن هذا الإله الواحد بيده ملك كل شئ من الأجل والرزق‏,‏ والنصر الي كل ما في الوجود‏,‏ وبأنه علي كل شئ قدير‏,‏ وهو عليم بذات الصدور‏,‏ وأن هذا الإله الواحد هو المستحق وحده الخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة والخشية والتوكل والإخلاص والتجرد والتقوي‏.‏

‏(2)‏ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو المهيمن هيمنة مطلقة علي كل شئ‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو الذي خلق الموت والحياة ليبلو الناس أيهم أحسن عملا تمهيدا للبعث بعد الموت‏,‏ والحشر‏,‏ والحساب‏,‏ والجزاء بالخلود إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏.‏

‏(3)‏ التسليم بحقيقة الكمال والجمال والاتقان في جميع خلق الله‏.‏

‏(4)‏ التصديق بكل ما وقع من عقاب بالمكذبين من أبناء الأمم السابقة‏,‏ وبأن للذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير‏,‏ وأن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير‏.‏

‏(5)‏ الإيمان برسالة الإنسان في هذه الحياة‏,‏ عبدا لله‏(‏ تعالي‏)‏ مستخلفا في الأرض لفترة محددة من الزمن‏,‏ يعبد الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بما أمر‏,‏ ويقوم بواجبات الاستخلاف ومنها عمارة الأرض وإقامة عدل الله فيها‏,‏ والدعوة الي دين الله الحق‏.‏

من الإشارات الكونية في سورة الملك
‏(1)‏ الإشارة الي مرجعية عليا للكون في خارجه‏(‏ الله الذي بيده الملك‏)‏ وهو ما تنادي به اليوم أحدث الدراسات الفلكية‏.‏
‏(2)‏ الإشارة الي خلق الموت والحياة‏,‏ والعلوم المكتسبة قد بدأت في الوصول الي حقيقة ان الموت مخلوق‏.‏

‏(3)‏ وصف السماوات بأنها سبع طباق‏,‏ والي احكام بنائها بلا فراغات ولا ادني خلل او اضطراب‏,‏ والعلوم المكتسبة لا تتجاوز وصف ما تراه من السماء الدنيا بأكثر من انه منحن‏,‏ وذلك لعجز العلماء عن رؤية كل أبعاد السماء الدنيا‏,‏ او رؤية شئ مما حولها من سماوات‏.‏
‏(4)‏ إثبات أن النجوم هي زينة السماء الدنيا‏,‏ وأن منها رجوما للشياطين من الشهب والنيازك‏,‏ والعلوم المكتسبة تشير الي وحدة بناء السموات والارض وان اصل كل اجرام السماء هو الدخان الكوني الذي نشأ عن عملية الانفجار العظيم‏(‏ أو فتق الرتق‏).‏

‏(5)‏ وصف تسخير الأرض للإنسان بتذليلها أي جعلها متوافقة مع احتياجاته‏,‏ متناسبة مع طبيعة حياته وهو ما أثبتته كل الدراسات الأرضية‏.‏
‏(6)‏ الإشارة الي العلاقة بين خسف الأرض ومورانها وهي علاقة لم تدرك الا بعد دراسة ميكانيكية حدوث الزلازل‏.‏

‏(7)‏ وصف الرياح بالحاصب‏,‏ وهي رياح ذات سرعات عالية تمكنها من حمل الحصي والرمال معها مما يضاعف من قدراتها التدميرية‏.‏
‏(8)‏ وصف طرائق تحليق الطيور في السماء بدقة فائقة‏:(‏ صافات ويقبضن‏).‏
‏(9)‏ تأكيد حقيقة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شئ‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد توج خلقه بالانسان الذي أنشأه من العدم‏,‏ وجعل له السمع والأبصار والأفئدة‏,‏ وتقديم خلق السمع علي الأبصار‏,‏ والأبصار علي الأفئدة في هذه السورة المباركة‏,‏ وفي غيرها من سور القرآن الكريم له من السند العلمي ما يؤكد خلقها في جنين الانسان بهذا الترتيب المعجز‏.‏
‏(10)‏ الاشارة الي امكانية غور الماء في الآبار‏,‏ وهي ملاحظة علمية دقيقة‏.‏ وكل قضية من هذه القضايا تحتاج الي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الثانية من القائمة السابقة والتي جاءت في الآية الثانية من سورة الملك

من الدلالات العلمية للآية الكريمة في قوله تعالي‏:(‏ الذي خلق الموت‏...)‏
جاء الفعل‏(‏ مات‏)‏ بمشتقاته وتصاريفه في القرآن الكريم مائة وخمسا وستين‏(165)‏ مرة‏,‏ ومن هذه المرات جاء ذكر‏(‏ الموت‏)‏ في خمسة وثلاثين‏(35)‏ موضعا‏.‏ ويعرف‏(‏ الموت‏)‏ بأنه مفارقة الحياة‏,‏ وهو مصير محتوم علي كل حي بتقدير من الله تعالي‏,‏ لا يستطيع احد الهروب منه‏,‏ ولا التقدم أو التأخر عنه‏.‏ وقد فرضه ربنا تبارك وتعالي علي جميع خلقه ليفرق بين خلوده وفناء خلقه‏,‏ وديمومته‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ومرحلية جميع المخلوقين في هذه الحياة‏,‏ ليتفرد ـ جل جلاله ـ بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ وليجبر المخلوقين علي الخضوع لجلاله بالموت‏,‏ مؤكدا لهم بمحدودية كل منهم بأجله‏,‏ لكي تستمر الحياة حسب مخططه ـ سبحانه وتعالي ـ جيلا بعد جيل حتي يرث الأرض ومن عليها‏.‏

ويعرف‏(‏ الموت‏)‏ بمفارقة الحياة بعد توقفها بالكامل‏,‏ وذلك لأنه ضد الحياة ونقيضها‏.‏ يقال للحي‏:(‏ مات‏)(‏ يموت‏)‏ و‏(‏يمات‏)‏ فهو‏(‏ ميت‏)‏ بتشديد الياء وتسكينها اذا فارقته الحياة‏.‏ ويستوي في ذلك المذكر والمؤنث لقول الله تعالي‏:‏
لنحيي به بلدة ميتا‏..(‏ الفرقان‏:49).‏
هذا‏,‏ وقد يعبر بـ‏(‏ الموتة الصغري‏)‏ عن النوم‏,‏ وذلك لقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وهو الذي يتوفاكم بالليل‏...(‏ الأنعام‏:60),‏ ولقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخري إلي أجل مسمي‏...(‏ الزمر‏:42).‏
وفي قول ربنا‏(‏ وهو أحكم القائلين‏):‏ الذي خلق الموت ذكر أغلب المفسرين أن من معانيها أنه‏(‏ تعالي‏)‏ أوجد الخلائق من العدم‏,‏ واستشهدوا بحديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي رواه قتادة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ فقال‏:‏ كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن الله أذل بني آدم بالموت‏,‏ وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت‏,‏ وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء‏.(‏ رواه ابن أبي حاتم‏)‏

وأشار نفر من المفسرين إلي اختلاف المتكلمين في‏(‏ الموت‏)‏ حيث قال بعضهم‏:‏ إنه أمر موجود مخلوق وهو ضد الحياة‏,‏ وقال البعض الآخر‏:‏ إن الموت أمر عدمي فإذا انعدمت الحياة مات المخلوق الحي‏,‏ وبناء علي هذا الفهم اعتبروا‏(‏ خلق الموت‏)‏ الوارد في الآية الثانية من سورة الملك بمعني‏(‏ التقدير‏),‏ أي أن الله تعالي خلق الحياة لأنها أمر وجودي‏,‏ وقدر الموت بنهاية تلك الحياة‏,‏ فإذا جاء أجل النهاية انعدمت الحياة‏,‏ وقال البعض الآخر‏:‏ إن‏(‏ الموت‏)‏ أمر وجودي كالحياة‏,‏ أي أنه عند نهاية الحياة يخلق الله شيئا يسمي‏(‏ الموت‏),‏ ويؤكد ذلك حديث ذبح الموت الذي رواه أبوسعيد الخدري‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه قال‏:‏ يؤتي بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد‏:‏ يا أهل الجنة‏,‏ فيشرئبون وينظرون‏,‏ فيقول لهم‏:‏ هل تعرفون هذا؟ فيقولون‏:‏ نعم‏,‏ هذا الموت‏.‏ وكلهم قد رآه‏.‏ ثم ينادي‏:‏ يا أهل النار‏,‏ فيشرئبون وينظرون‏,‏ فيقول لهم‏:‏ هل تعرفون هذا؟ فيقولون‏:‏ نعم‏,‏ هذا الموت‏.‏ وكلهم قد رآه‏,‏ فيذبح‏,‏ ثم يقول المنادي‏:‏ يا أهل الجنة خلود فلا موت‏,‏ ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قول الحق تبارك وتعالي‏:‏ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لايؤمنون‏[‏ الآية‏39‏ من سورة مريم‏]‏ أخرجه البخاري ومسلم‏.‏

العلوم المكتسبة تثبت خلق الموت‏:‏
في العقود الثلاثة المتأخرة من القرن العشرين أثبتت دراسات الشيفرة الوراثية للإنسان أن تقدير الموت مبرمج فيها‏.‏ وتتكون الشيفرة الوراثية للجنين من التقاء نطفتي الرجل والمرأة فيتكامل عدد الجسيمات الصبغية إلي‏(46)‏ وهو العدد المحدد لنوع الإنسان حيث يحمل كل من النطفتين نصف هذا العدد‏(23‏ صبغيا فقط‏).‏ وبتكامل عدد الصبغيات يتحدد كل من الصفات السائدة التي سوف تظهر علي الجنين ـ إن قدر اللهتعالي له الحياة ـ والصفات المتنحية‏(‏ المستترة‏)‏ في شيفرته الوراثية لتظهر في نسله من بعده‏,‏ ومن هذه الصفات‏(‏ الأجل‏)‏ الذي تؤكد الآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها أنه مخلوق‏.‏ وفي ذلك يروي الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ قال‏:‏ حدثنا رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهو الصادق المصدوق قال‏:‏ إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك‏,‏ ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك‏,‏ ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات‏:‏ بكتب رزقه‏,‏ وأجله‏,‏ وعمله‏,‏ وشقي أو سعيد‏.‏
وقد أكدت الكشوف العلمية في دراسات الشيفرة الوراثية للإنسان حقيقة أن الموت مخلوق مع خلق الإنسان‏,‏ ومبرمج في داخل كل خلية نووية من خلاياه الحية بدقة بالغة علي النحو التالي‏:‏

‏(1)*‏ في سنة‏(1971‏ م‏)‏ اقترح العالم الروسي أولو فنيكوف‏(Olevnikov)‏ ضرورة وجود آلة محددة تفسر خروج عملية الانقسام في الخلايا السرطانية عن السيطرة‏.‏

‏(2)*‏ في سنة‏(1985‏ م‏)‏ تم اكتشاف هذه الآلة المحددة التي تفسر خروج عملية الانقسام في الخلايا السرطانية عن السيطرة وكانت إنزيما خاصا اكتشفه كل من جرايدر وبلاكبيرن‏(Greider&Blacburn)‏ وقد اكتشف أن هذا الإنزيم يختص ببناء غطاءين طرفيين لكل جسيم صبغي عرف كل منهما بـ الغطاء الطرفي‏(EndCaporTelomere)‏ وانطلاقا من هذا الاسم سمي الإنزيم المتحكم في بنائه باسم إنزيم تيلوميريز‏(Telomerase)‏ أو الأنزيم الباني للأغطية الطرفية للجسيم الصبغي‏.‏

‏(3)*‏ في سنة‏(1986‏ م‏)‏ اكتشف هوارد كوك‏(HowardCooke)‏ أن طول الغطاءين الطرفيين للجسيم الصبغي يتناقص مع كل انقسام تقوم به الخلية الحية‏,‏ وأن هناك علاقة مطردة بين فقد أجزاء من طول هذين الغطاءين الطرفيين وشيخوخة الخلية‏,‏ فإذا وصل طولهما إلي حد معين ماتت الخلية بعد توقفها عن الانقسام‏.‏
وتأكدت هذه النتائج باكتشاف أن طول الأغطية الطرفية في كل من الخلايا الجذعية‏(StemCells)‏ والخلايا المستنبتة من صغار السن أطول منها في خلايا كل من الكهول والشيوخ من كبار السن‏,‏ وأن قدرة هذه الخلايا النشيطة علي الانقسام تفوق قدرة خلايا كبار السن عدة مرات‏,‏ ومن هنا أطلق علي كل واحد من هذه الأغطية الطرفية للجسيمات الصبغية اسم عداد المضاعفات الانقسامية المتكررة‏(Replicometer)‏ أو عداد الأجل‏(LongivityMeter)‏ مما شجع بعض الباحثين مثل بودنار‏(Bodnar)‏ علي إعطاء إنزيم تيلوميريز لكبار السن لتأخير الشيخوخة ولكن اتضح أن هناك علاقة بين زيادة هذا الإنزيم في الخلايا ونشاطها السرطاني‏.‏

‏(4)*‏ في سنة‏(1989‏ م‏)‏ لاحظ مورين‏(Morin)‏ أن هناك علاقة واضحة بين زيادة إفراز إنزيم التيلوميريز‏(TheTelomeraseEnzyme)‏ في الخلية الحية وبين نشاطها في الانقسامات غير العادية المتسارعة والمعروفة باسم النشاط السرطاني‏.‏ وقد مهد ذلك لإمكانية معالجة الأمراض السرطانية بإيقاف نشاط هذا الإنزيم بواسطة عقار مضاد له أو للمورث المتسبب في إفرازه‏,‏ ولكن ذلك لم يتم بعد‏,‏ وإن حاوله شاي‏(Shay)‏ في سنة‏2001‏ م بفتح باب استخدام مثبطات إنزيم تيلوميريز لوقف الأنشطة السرطانية‏.‏
وبإثبات خلق الموت مع خلق الحياة ثبت أن الأجل مقدر في داخل الخلية الحية‏,‏ وأن كلا من الأمراض والأحداث العارضة والشيخوخة وغيرها من الأحداث الحيوية مقدر كذلك ومدون في الشيفرة الوراثية وذلك بواسطة طول الأغطية الطرفية للصبغيات‏,‏ ومايفرز من الإنزيم الباني لها مما يحدد عدد مرات انقسام كل خلية حية وبالتالي يحدد أجلها‏.‏

‏(5)*‏ بمجرد فقد الخلية الحية لقدرتها علي الانقسام فإنها تبدأ في فقد أجزاء من محتواها البروتيني من كل من السائل الخلوي والنواة‏,‏ وقد تتورم الخلية حتي تنفجر ملقية بمحتوياتها في الأنسجة المجاورة‏,‏ وقد تتعرض النواة إلي التفتت أو الانكماش‏.‏ وينتج ذلك عن فقد غشاء الخلية قدرته علي التحكم في مرور السوائل إلي داخل الخلية أو إلي خارجها‏,‏ مما يؤدي إلي انفجارها وتناثر مكوناتها التي تنفجر هي الأخري أو تلتهم بواسطة الخلايا المجاورة‏,‏ أو يؤدي ذلك إلي انكماشها مكونة عددا من الفقاقيع الغازية علي سطحها‏.‏
وهذه العمليات تتم بدقة فائقة مما حدا بالعلماء إلي تسميتها باسم الموت الخلوي المبرمج‏(‏ أو المقدر‏)[ProgrammedCellDeathOrPCD]‏ ويطلق عليه باللاتينية اسم‏(Apoptosis),‏ وهي خاصية داخلية في الخلية الحية توظف لصالح الجسد الذي يحتويها وهو حي‏,‏ وتحدد أجله عند لحظة الوفاة‏,‏ وتتم بواسطة عدد من العوامل الخاصة التي تعرف باسم عوامل الأمر بالموت‏(Apoptosis-InducingFactorsorA.I.F),‏ ومن هذه العوامل أعداد من مواد بروتينية خاصة تختزن في المسافات بين الطيات الغشائية للمتقدرات‏.‏ وهذه العوامل الآمرة بالموت تحدد في الأيام الأولي من الحمل وفق عدد من القوانين التي يأمر الخالق العظيم ببثها في الخلايا الحية لحظة خلقها ومنها جسد الإنسان‏.‏

‏(6)*‏ بذلك يدب الموت بالتدريج في خلايا كل جسد حي بدءا من العضيات الدقيقة في داخل الخلية إلي الخلايا ذاتها‏,‏ ثم الأنسجة فالأعضاء والأجهزة منتهيا بالانهيار الكامل للكائن الحي بالوفاة‏,‏ والتي يعلن عنها طبيا بوقف كل من القلب والرئتين عن العمل والانخفاض الملحوظ في درجة حرارة الجسم وتصلبه أو تخشبه‏,‏ وانتشار الزرقة فيه خاصة في كل من الشفاه والأطراف‏,‏ وظهور عدد من البقع الدموية علي الجلد‏,‏ وتوقف حركة العينين‏.‏ وباستخدام الأجهزة المتطورة في غرف العناية المركزة يمكن استنهاض عمل كل من القلب والرئتين‏,‏ وعلي ذلك فان الموت الحقيقي يتحدد بموت الدماغ‏,‏ والذي من أعراضه الدخول في إغماء كامل لا فواق منه والموت محدد سلفا في لحظة الخلق الأولي للكائن الحي‏.‏
‏(7)*‏ ومن قبل ألف وأربعمائة سنة نزل القرآن الكريم بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور‏(‏ الملك‏:2).‏

ولم يدرك أحد من الخلق حقيقة أن الموت مخلوق كالحياة‏,‏ وفي نفس الوقت الذي تخلق فيه الحياة إلا في العقدين المتأخرين من القرن العشرين‏.‏ وسبق القرآن الكريم بتقرير ذلك مما يثبت لكل ذي بصيرة بأنه لايمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية والذي لم يقطعه لرسالة سابقة أبدا ـ وحفظه في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ وتعهد بذلك الحفظ الكامل حتي قيام الساعة ليبقي القرآن الكريم العظيم حجة علي جميع الخلق ـ عربهم وعجمهم إلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏.‏

فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة سيد الأنام‏,‏ سيدنا محمد بن عبدالله صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏






__________________
[gdwl]
الاحاديث النبوية علي الفيس بوك
http://www.facebook.com/pages/%D8%A7...01747446575326
[/gdwl]
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Koora live   برنامج محاماة   معلم دهانات   تشليح   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج   تصليح غسالات اتوماتيك   شركة مكافحة حشرات   شركة عزل خزانات بجدة   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت   اشتراك شاهد رياضه   ايجار سيارات مع سائق في ماربيا   شركة تنظيف منازل بالرياض   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   زيوت امزويل AMSOIL   زيادة متابعين تيك توك حقيقيين   سحب مجاري   ربح المال من الانترنت   دكتور جراحة مخ وأعصاب في القاهرة   يلا شوت   يلا شوت   يلا لايف   شركة تنظيف في رأس الخيمة   شركة تنظيف في دبي 24 ساعة 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 

 الحلوى العمانية   Yalla shoot   كورة سيتي kooracity   اشتراك كاسبر الرسمي   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض   شركة حور كلين للتنظيف   شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض 
 تركيب مظلات حدائق   تركيب ساندوتش بانل   jeddah certified translation 

 شركة تنظيف خزانات بجدة   شركة مكافحة حشرات بجدة 

 مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر 

 سباك شرق الرياض   شقق فندقية 

 شركة تنظيف مكيفات في الرياض   متجر نقتدي من المدينة المنورة   شركة تسليك مجاري  شركة صيانة افران بالرياض

 محامي السعودية   محامي في عمان الاردن 
 دوت سبورت   كورة سيتي   بث مباشر مباريات اليوم 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 

 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة عزل اسطح بجدة   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
معلوماتي || فور شباب ||| الحوار العربي ||| منتديات شباب الأمة ||| الأذكار ||| دليل السياح ||| تقنية تك ||| بروفيشنال برامج ||| موقع حياتها ||| طريق النجاح ||| شبكة زاد المتقين الإسلامية ||| موقع . كوم ||| شو ون شو

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية
Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd
الساعة الآن »07:01 AM.
راسل الإدارة -الحوار العربي - الأرشيف - الأعلى