#1
|
||||
|
||||
سورة السجدة.
سورة السجدة مكية، أفادت فى صدرها ميلاد الأمة الإسلامية فى التاريخ العام. فإن هذا القرآن النازل يقينا من عند الله جاء إلى أمة لم يكن لها إلف بالوحى، فصاغها فى قالب جديد وحملها رسالة عالمية!! " أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون " . كانت هناك رسالات محلية قديمة فى بعض القبائل والشعوب، انتهت فى مكانها أو زمانها. أما الرسالة التى تحرك بها الجرب أجمعون وغيروا بها وجه العالم، فهى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وناسب هنا وصف الله الذى أسدى هذا الصنيع " الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع... " ولما كان خالق هذا العالم الرحب هو مدبر أمره فى لمح البصر على سعة أرجائه، فقد احتاج ذلك إلى شرح. إن الأرض تلف حول نفسها كل أربع وعشرين ساعة، وتلف حول الشمس خلال 365 يوما. والشمس وأسرتها تجرى فى مدار حاشد بالنجوم. والمجرات السابحة فى الفضاء لا ندرى إلا القليل من شئونها. والضوء يقطع المسافة بين الأرض والشمس فى بضع دقائق! ما هذا الملكوت الضخم؟ إن إدارة شئونه تحتاج بمقايسنا الزمنية إلى أزمنة بعيدة إلى ألف عام أو أكثر، لكنها فى عمل الخالق الكبير لا تستغرق زمانا يذكر. ما المدة التى تستغرقها العين فى نظر المرئيات؟ لا شىء! إن الله يريد فيفعل، فإذا فى دنيانا محو وإثبات ووجود وموات وهزائم وانتصارات.. إلخ. " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم " . والأمة الإسلامية التى ظهرت فى تاريخ العالم لها خصائص تميزها عن أمم أخرى فهى أول كل شىء توحد الله وتخصه بالأسماء الحسنى وترفع عملها إليه على عكس الحضارة ص _320 الحديثة التى جفت فيها منابع الزبانية فلا تعبد إلا نفسها، ثم هى تذكر اليوم الآخر وتستعد له. أما الناس الآن فهم يطردون ذكر هذا اليوم عن نفوسهم " وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون " . وسيندمون غدا على هذا الإلحاد " ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " . وهيهات، لقد انتهى أوان البذر وجاء أوان الحصاد.. ولن يفلح إلا من قدم الإيمان والعمل الصالح. ومن خصائص أمتنا أنها تقيم الصلوات سحابة النهار وبعض الليل، وأن فيها من " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون" إن الليل موطن الجريمة والمتع الحرام فى المدنية الحديثة، ولا مكان للصلاة فى أعمال النهار. فهل يستوى الفريقان؟ " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " . والنظام الإسلامى للزمن يظهر فى قوله تعالى " وجعلنا نومكم سباتا * وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا " . فلابد من عمل ولابد من راحة، ولا يجوز نسيان الله فى الحالين. " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " . ومشكلة البشرية الآن ليست ترك الصلاة فقط، بل رسم الخطط لإضاعتها " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى " . وقد ووجه المسلمون قديما بجمهرة من الماديين الغلاظ يحتقرون العبادة ولا يتصورون جوها، وهم اليوم يواجهون الصنف نفسه مستكبر برقته الصناعى وتفوقه العسكرى. ويجب علينا أن نصبر على هذه المواجهة، وندفع ثمنها " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون " . ثم ذكر الله نبيه محمدا بأن المرسلين من قبله لقوا العنت وتحملوا الشدائد، فليصبر كما صبروا "ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل * وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " . ص _321 والمعنى أن القيادة لا تتم لأهلها إلا إذا جمعوا بين الصبر واليقين. وهل كان إبراهيم إماما للناس إلا لأنه اختبر فنجح؟ ومن طلب عظيما خاطر بعظيمته. وقد قيل لنبينا إنه ملاق موسى حتما، فهل لقيه بعد الموت أو لقيه قبل ذلك ليلة الإسراء؟ ليكن هذا أو ذاك فإن موعد اللقاء الجامع حق. وقال ابن عاشور فى تفسيره إن اللقاء هنا الجهاد، وكأن الله يقول لنبيه: كما كابد موسى كيد فرعون وعوج قومه، ستلقى ما لقى من خصومك ومن قومك... لكن العاقبة للتقوى والنصر للمؤمنين " أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون " ؟ والواقع أن المسلمين فى هذه الأيام يقع عليهم حيف رهيب، ومن يسمع مآسيهم فى البلقان والهند تغلبه الحسرات.. لقد طويت أحكام القرآن وشعائره وشرائعه وأهيل عليها التراب والقلة المكافحة تجد من خصومها الازدراء والإهانة، ولكن الأمل فى الله باق يحكم بين عباده بالحق. " ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين * قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون * فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون " . ص _322 |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة السجدة. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |